الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (33): {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)}{متاعا لَّكُمْ ولانعامكم} قيل مفعول له أي فعل ذلك تمتيعًا لكم ولأنعامكم لأن فائدة ما ذكر من الدحو إخراج الماء والمرعى واصلة إليهم ولأنعامهم فإن المرعى كما سمعت مجاز عما يأكله الإنسان وغيره وقيل مصدر مؤكد لفعله المضمر أي متعكم بذلك مختاعًا أو مصدر من غير لفظه فإن قوله تعالى: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا ومرعاها} [النازعات: 31] في معنى متع بذلك وأورد على الأول أن الخطاب لمنكري البعث والمقصود هو تمتيع المؤمنين فلا يلائم جعل تمتيع الآخرين كالغرض فالأولى ما بعده وأجيب بأن خطاب المشافهة وإن كان خاصًا بالحاضرين إلا أن حكمه عام كما تقرر في الأصول فالمآل إلى تمتيع الجنس وأيضًا على المصدرية بفعله المقدر لا يدفع المحذور لكونه استئنافًا لبيان المقصود ولا يخفى أن كون المقصود هو تمتيع المؤمنين محل بحث وقوله سبحانه:.تفسير الآية رقم (34): {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)}{فَإِذَا جَاءتِ الطامة الكبرى} إلخ شروع في بيان معادهم أثر بيان أحوال معاشهم بقوله عز وجل: {متاعًا} إلخ والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها على ما قيل كما ينبئ عنه لفظ المتاع والطامة أعظم الدواهي لأنه من طم عنى علا كما ورد في المثل جرى الوادي فطم على القرى وجاء السيل فطم الركي وعلوها على الدواهي غلبتها عليها فيرجع لما ذكر قيل فوصفها بالكبرى للتأكيد ولو فسرها كونها طامة بكونها غالبة للخلائق لا يقدرون على دفعها لكان الوصف مخصصًا وقيل كونها طامة باعتبار أنها تغلب وتفوق ما عرفوه من دواهي الدنيا وكونها كبرى باعتبار أنها أعظم من جميع الدواهي مطلقًا وقيل غير ذلك وأنت تعلم أن الطامة الكبرى صارت كالعلم للقيامة وروى كونها اسمًا من أسمائها هنا عن ابن عباس أيضًا وعن الحسن أنها النفخة الثانية وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن القاسم بن الوليد الهمداني أنها الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وأخرجا عن عمرو بن قيس الكندي أنها ساعة يساق أهل النار إلى النار وفي معناه قول مجاهد هي إذا دفعوا إلى مالك خازن جهنم..تفسير الآية رقم (35): {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)}{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى} بدل كل أو بعض من {إذا جاءت} [النازعات: 31] على ما قلي وقيل بدل من الطامة الكبرى فيكون مرفوع المحل وفتح لإضافته إلى الفعل على رأي الكوفيين وتكون الطامة حقيقة التذكر والبروز لأن حسن العمل يغلب كل لذة وسواه كل مشقة وكذا بروز الجحيم مع الابتلاء به يغلب كل مشقة ومع النجاة عنه كل لذة ولا يخفى تعسفه وقيل ظرف لجاءت وعليه الطبرسي واستظهر أنه منصوب باعني تفسيرًا للطامة الكبرى وما موصولة وسعى عنى عمل والعائد مقدر أي له والمراد يوم يتذكر كل أحد ما عمله من خير أو شر بأن يشاهده مدونًا في صحيفته وقد كان نسبه من فرط الغفلة أو طول الأمد أو شدة ما لقي أو كثرته التي تعجز الحافظ عن الضبط لقوله تعالى: {أحصاه الله ونسوه} [المجادلة: 6] ويمكن أن يكون تذكره بوجه آخر وجوز أن تكون ما مصدرية أي يتذكر فيه سعيه..تفسير الآية رقم (36): {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)}{وَبُرّزَتِ الجحيم} عطف على {جاءت} وقيل على {يتذكر} وقيل حال من الإنسان بتقدير قد أو بدونه والموصول بعد مغن عن العائد وكلا القولين على ما في الإرشاد على تقدير الجواب يتذكر الإنسان ونحوه وسيأتي إن شاء الله تعالى فلا تغفل ومعنى برزت أظهرت إظهارًا بينًا لا يخفى على أحد {لِمَن يرى} كائنًا من كان يروى أنه يكشف عنها فتتلظى فيراها كل ذي بصر وخص بعض من بالكافر وليس بشيء وقرأت عائشة وزيد بن علي عكرمة ومالك بن دينار وبرزت مبنيًا للفاعل مخففًا لمن ترى بالتاء الفوقية على أن فيه ضمير جهنم كما في قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان: 12] وإسناد الرؤية لها مجازًا وهو حقيقة على أن يخلق الله تعالى ذلك فيها ويجوز أن تكون خطابًا لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أو لكل راء كقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَىإذ المجرمون} [السجدة: 12] أي لمن تراه من الكفار وقرأ أبو نهيك وأبو السماء وهرون عن أبي عمرو وبرزت مبنيًا للمفعول مخففًا وقوله تعالى:.تفسير الآية رقم (37): {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)}{فَأَمَّا مَن طغى} إلخ جواب {إذا} على أنها شرطية لا ظرفية كما جوز على طريقة قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدِىَ} [البقرة: 38] الآية وقولك إذا جاءك بنو تميم فاما العاصي فاهنه وأما الطائع فاكرمه واختاره أبو حيان وقيل جوابها محذوف كأنه قيل فإذا جاءت وقع ما لا يدخل تحت الوصف وقوله سبحانه: {فَأَمَّا} إلخ تفصيل لذلك المحذوف وفي جعله جوابًا غموض وهو وجه وجيه بيد أنه لا غموض في ذاك بعد تحقق استقامة أن يقال فإذا جاءت فإن الطاغي الجحيم مأواه وغيره في الجنة مثواه وزيادة أما لم تفد إلا زيادة المبالغة وتحقيق الترتيب والثبوت على كل تقدير وقيل هو محذوف لدلالة ما قبل والتقدير ظهرت الأعمال ونشرت الصحف أو يتذكر الإنسان ما سعى أو لدلالة ما بعد والتقدير انقسم الراؤن قسمين وليس بذاك أي فأما من عتا وتمرد عن الطاعة وجاوز الحد في العصيان حتى كفر..تفسير الآية رقم (38): {وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)}{وَءاثَرَ} أي اختار {الحياة الدنيا} الفانية التي هي على جناح الفوات فانهمك فيما متع به فيها ولم يستعد للحياة الآخرة الأبدية بالايمان والطاعة..تفسير الآية رقم (39): {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)}{فَإِنَّ الجحيم} التي ذكر شأنها {هِىَ المأوى} أي مأواه على ما رآه الكوفيون من أن ال في مثله عوض عن المضاف إليه الضمير وبها يحصل الربط أو المأوى له على رأي البصريين من عدم كونها عوضًا ورابطًا وهذا الحذف هنا للعلم بأن الطاغي هو صاحب المأوى وحسنه وقوع المأوى فاصلة وهو الذي اختاره الزمخشري. وهي أما ضمير فصل لا محل له من الإعراب أو ضمير جهنم مبتدأ والكلام دال على الحصر أي كأنه قيل فإن الجحيم هي مأواه أو المأوى له لا مأوى له سواها..تفسير الآية رقم (40): {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)}{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} أي مقامه بين يدي مالك أمره يوم الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى على أن الإضافة مثلها في رقود حلب أو وأما من خاف ربه سبحانه على أن لفظ مقام مقحم والكلام معه كناية عن ذلك وإثبات للخوف من الرب عز وجل بطريق برهاني بليغ نظير ما قيل في قوله تعالى: {أَكْرِمِى مَثْوَاهُ} [يوسف: 21] وتمام الكلام في ذلك قد تقدم في سورة الرحمن {وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} أي زجرها وكفها عن الهوى المردى وهو تلميل إلى الشهوات وضبطها بالطبر والتوطين على إيثار الخيرات ولم يعتد تاع الدنيا وزهرتها ولم يغتر بزخارفها وزينتها علمًا بوخامة عاقبتها وعن ابن عباس ومقاتل أنه الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب بين يدي ربه سبحانه فيخاف فيتركها وأصل الهوى مطلق الميل وشاع في الميل إلى الشهوة وسمي بذلك على ما قال الراغب لأنه يهوى بصاحبه في الدنيا إلى كل واهية وفي الآخرة إلى الهاوية ولذلك مدح مخالفه قال بعض الحكماء إذا أردت الصواب فانظر هواك فخالفه وقال الفضيل أفضل الأعمال مخالفة الهوى وقال أبو عمران الميرتلي:إلى غير ذلك وقد قارب أن يكون قبح موافقة الهوى وحسن مخالفته ضروريين إلا أن الشالم من من الموافقة قليل قال سهل لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبعض الصديقين فطوبى لمن سلم منه. .تفسير الآية رقم (41): {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}{فَإِنَّ الجنة هي المأوى} له لا غيرها والظاهر أن هذا التفصيل عام في أهل النار وأهل الجنة وعن ابن عباس أن الآيتين نزلتا في أبي عزيز بن عمير وأخيه مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه كان الأول طاغيًا مؤثر الحياة الدنيا وكان مصعب خائفًا مقام ربه ناهيًا النفس عن الهوى وقد وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عن حتى نفذت المشاقص أي السهام في جوفه فلما رآه عليه الصلاة والسلام متشحطًا في دمه قال عند الله تعالى احتسبك وقال لأصحابه لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإن شراك نعله من ذهب ولما أسر أخوه أبو عزيز ولم يشد وثاقه إكراما له وأخبر بذلك قال ما هولي بأخ شدوا أسيركم فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليًا ومالًا وفي الكشاف أنه قتل أخاه أبا عزيز يوم أحد وعن ابن عباس أيضًا أنهما نزلتا في أبي جهل وفي مصعب وقيل نزلت الأولى في النضر وابنه الحرث المشهورين بالغلو في الكفر والطغيان..تفسير الآية رقم (42): {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)}{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها} أي متى إرساؤها أي إقامتها يريدون متى يقيمها الله تعالى ويكونها ويثبتها فالمرسي مصدر ميمي من سار عنى ثبت ومنه الجبال الرواسي وحاصل الجملة الاستفهامية السؤال عن زمان ثبوتها ووجودها وجوزأن يكون المرسى عنى المنتهى أي متى منتهاها ومستقرها كما أن مرسي السفينة حيث تنتهي إليها وتستقر فيه كذا قيل وتقدير الاستفهام تى يقتضي أن المرسى اسم زمان وقوله كما أن إلخ ظاهر في أنه اسم مكان ولذا قيل الكلام على الاستعارة بجعل اليوم المتباعد فيه كشخص سائر لا يدرك ويوصل إليه ما لم يستقر في مكان فجعل وقت داركه مستقرًا له فتدبر وقوله تعالى:.تفسير الآية رقم (43): {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)}{فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} إنكار ورد لسؤال المشركين عنها أي في أي شيء أنت من أن تذكر لهم وقتها وتعلمهم به حتى يسألوك بيانها كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ كأنك حفى} [الأعراف: 187] عنها فالاستفهام للإنكار وفيم خبر مقدم وأنت مبتدأ مؤخر ومن ذكراها على تقدير مضاف أي ذكري وقتها متعلق بما تعلق به الخبر وقيل فيم إنكار لسؤالهم وما بعده استئناف تعليل للإنكار وبيان لبطلان السؤال أي فيم هذا السؤال ثم ابتدئ فقيل أنت من ذكراها أي ارسالك وأنت خاتم الأنبياء المبعوث في نسم الساعة علامة من علامتها ودليل يدلهم على العلم بوقوعها عن قريب فحسبهم هذه المرتبة من العلم..تفسير الآية رقم (44): {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)}فمعنى قوله تعالى: إلى ربك منتهاها على هذا الوجه إليه تعالى يرجع منتهى علمها بكنهها وتفاصيل أمرها ووقت وقوعها لا إلى أحد غيره سبحانه وإنما وظيفتهم أن يعلموا باقترابها ومشارفتها وقد حصل لهم ذلك بعثك فما معنى سؤالهم عنها بعد ذلك وأما على الوجه الأول فمعناه إليه عز وجل انتهاء علمها ليس لأحد منه شيء كائنا ما كان فلأي شيء يسألونك عنه.
|